دبي لاعب أساسي عالمياً.. وقدراتها تجذب المستثمرين والأثرياء
أكد أرنود لوكليرك، مدير عام بنك لومبارد أودييه؛ المجموعة السويسرية العالمية لإدارة الثروة والأصول، أن مقومات وقدرات دبي عززت جاذبيتها لرواد الأعمال والأثرياء، وجعلت منها لاعباً أساسياً في الساحة العالمية، وهذا تحوّل نموذجي لافت، لا يؤثر في المنطقة فحسب، إنما في العالم أيضاً.
وأفاد أرنود لوكليرك، في حوار خاص مع البيان، بأن البنك حصل على ترخيص للعمل في مركز دبي المالي العالمي، مشيداً بسرعة وفعالية الإجراءات في المركز، ومؤكداً أن الترخيص الجديد يهدف إلى تقديم الاستشارات في مجال إدارة الثروات للمستثمرين العالمين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف لوكليرك إن هناك العديد من العوامل والمقومات التي جعلت دبي مركز جذب للأثرياء من أنحاء العالم، وفي مقدمتها الإدارة الناجحة لأزمة كوفيد-19 وطرح الإقامة الذهبية، وتغيير أيام العطلة إلى السبت والأحد، وكلها عوامل أخذها الأثرياء في الاحتساب، لافتاً إلى أن البنك شهد انتقال عائلات ثرية ورجال أعمال من أوروبا الغربية إلى الإمارة بهدف إدارة أعمالهم الدولية.
وعن القضايا الاقتصادية الراهنة، لا يتوقع لوكليرك حدوث ركود عالمي في الوقت الحالي ولكن يتوقع نمواً أبطأ للاقتصاد العالمي، كما يتوقع أن تظل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مستقرة حتى منتصف العام المقبل، كما لا يتوقع أن نشهد ارتفاعاً مفاجئاً في أسعار النفط وألا يتجاوز سعر البرميل 100 دولار في سنة 2024.
وتالياً نص الحوار:
قدم لنا لمحة موجزة عن لومبارد أودييه في الإمارات وترخيصها الجديد في مركز دبي المالي العالمي.
شاركت في الأسبوع الماضي في احتفال الذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية السويسرية الإماراتية، ولدينا حضور قوي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي منذ ما يقرب من ستة عقود، وكانت أعمالنا تدار مباشرة في جنيف، ولدينا مكتب تمثيلي في الإمارات منذ 17 عاماً.
وكان تركيزنا منذ البداية منصباً على مواطني دول مجلس التعاون، وبطبيعة الحال، تغيرت الأمور بشكل جذري على مدى العقود الماضية إضافة إلى تدفق الأثرياء إلى المنطقة من جميع أرجاء العالم وهو ما شكّل عاملاً آخر مهماً بالنسبة لنا.
واستناداً إلى إرثنا العريق الممتد منذ نحو 227 عاماً، وباحتسابنا بنكاً يتألف من الشركاء، نحرص دائماً على التطور والتكيف مع احتياجات عملائنا، ونتابع تطور تلك الاحتياجات من جيل إلى جيل.
واليوم يرغب مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم من المستثمرين العالميين الذين أسسوا حضورهم هنا، في الحصول على استشاراتنا مباشرة وضمان توافرها بالقرب منهم، وهو ما شجعنا على التقدم بطلب الحصول على ترخيص للعمل من مركز دبي المالي العالمي، وقد كان ذلك وفي وقت قياسي (أقل من ستة أشهر).
كيف تقيمون إجراءات الترخيص وإطارها الزمني في دبي مقارنة بالمراكز المالية العالمية الأخرى؟
كان الحصول على ترخيص من مركز دبي المالي العالمي سريعاً بشكل مدهش، وذلك على الرغم من الإقبال الكبير وارتفاع الطلب، ولا أملك إحصاءات دقيقة، إلا أن الأمر عادة ما يستغرق وقتاً أطول بكثير للحصول على ترخيص مماثل في أسواق مالية أخرى في أنحاء العالم، ربما ضعف الوقت، لقد كانت الإجراءات في مركز دبي المالي العالمي فعالة جداً.
ما الدوافع وراء تدفق الأثرياء والمؤسسات المالية الكبرى إلى دبي؟
هناك عدة عوامل تدفع هذا التوجه، أولها الإدارة الفعّالة لدولة الإمارات لمواجهة تبعات الجائحة، وإجراءاتها الوقائية السريعة مثل التطعيم، إضافة إلى طرح الإقامة الذهبية التي تسمح بالإقامة مدة تصل إلى 10 سنوات، وهي أمور أدت دوراً أساسياً في اجتذاب المواهب العالمية، كما كان التحول إلى عطلة نهاية الأسبوع ليومي السبت والأحد فعالاً، وقد أخذه أثرياء العالم في الاحتساب.
وعلاوة على ما سبق، أدت الأحداث العالمية والتوترات مثل الحرب في أوكرانيا والقضايا المحلية في مختلف البلدان، دوراً في دفع رجال الأعمال الأثرياء إلى البحث عن بيئة مستقرة ونوع حياة أفضل، وكانت دبي اختيارهم المفضل، وهو ما عزز تدفق المواهب ونمو الأعمال، حيث تتميز الإمارة بموقعها الاستراتيجي بالقرب من المناطق الصاعدة مثل شبه القارة الهندية وأفريقيا، وهو ما جعل منها مركزاً ومحوراً أساسياً للأعمال التجارية الدولية.
ويمكنني القول باختصار، إن مقومات وقدرات دبي، قد عززت جاذبيتها لرواد الأعمال والأثرياء، وجعلت منها لاعباً أساسياً في الساحة العالمية وهو تحول نموذجي لافت، ولا يؤثر في المنطقة فحسب، وإنما في العالم أيضاً.
من أي الدول يأتي الأثرياء إلى دبي؟
بالحديث عن هذا الموضوع لا يسعني إلا أن أقدم ملاحظات، فليس لدينا إحصاءات محددة، ولكن كل ما نعرفه في لومبارد أودييه، أننا شهدنا زيادة في العملاء من دول أوروبا الغربية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والسويد، وهم عائلات ثرية منذ زمن، إضافة إلى رجال أعمال أغلبهم حاصل على درجات أكاديمية عالية، وهؤلاء هم من يختارون دبي وبشكل متزايد لتكون قاعدة أعمالهم الدولية.
وفي ما يتعلق بشبه القارة الهندية، فقد رأينا عائلات لديها حضور راسخ في دبي تسعى إلى توسيع أنشطتها التجارية وخصوصاً باتجاه أفريقيا، وهي تعمل في مجالات عدة ومن بينها تجارة السلع الاستهلاكية وغيرها.
ونحن نركز على العائلات من شبه القارة الهندية التي أسست حضورها هنا منذ سنوات، ولذا لا يقتصر الأمر على الأثرياء القادمين من بلدان أخرى إلى دبي، وإنما يتعلق أيضاً بالشركات التي تتخذ من دبي مقراً لها، والتي تعمل على توسيع نطاق حضورها العالمي.
كيف ترون تطور قطاع إدارة الثروات في الإمارات؟
لدى قطاع إدارة الثروات في الإمارات مزاياه الخاصة، ومن بينها البنوك المحلية، التي أصبحت محط اهتمام كبير للعديد من المؤسسات المالية، ويعود هذا التطور إلى عدة عوامل، ومن بينها تراكم الأصول وزيادة الطلب على تطبيق مبادئ الاستدامة والتحول في توجهات الأجيال الحالية.
وعلى عكس بعض مجالات التمويل الأخرى، توفر إدارة الثروات إيرادات مستقرة ومتتالية، فهي لا تخضع للتوجهات الدورية نفسها، مثل الاندماج والاستحواذ أو الخدمات المصرفية الاستثمارية.
كم يبلغ حجم الأصول من الشرق الأوسط الخاضعة لإدارة لومبارد أودييه؟
يبلغ مجمل أصول عملائنا الخاضعة لإدارة لومبارد أودييه نحو 350 مليار دولار، من جميع أنحاء العالم، موزعة بين عدة مناطق جغرافية، حيث يوجد ثلث تلك الأصول في سويسرا وثلث في أوروبا وثلث في الأسواق الجديدة. كما تعد أسواق دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً الإمارات والسعودية من بين أبرز الأسواق التي تحظى باهتمامنا.
ما نظرتكم لكيفية تقسيم المحفظة الاستثمارية بين فئات الأصول المختلفة؟
تعتمد أصول المحفظة الاستثمارية على عوامل ومن بينها قدرة المستثمر على تحمل الأخطار والأهداف المالية، فعلى سبيل المثال، إذا ما كان لدينا مستثمر متحفظ في ما يتعلق بتحقيق أهداف حياتية محددة، فقد يختلف تخصيص الأصول الموصى به لهذا المستثمر، بالمقارنة بشخص أصغر سناً أو شخص يبلغ من العمر نحو 60 عاماً، والذي يأخذ في الاحتساب عوامل أخرى.
أما في حال مثلاً، أن شخصاً قد انتقل حديثاً إلى دبي، فإن الخيارات المتعلقة بنمط حياته، تؤثر في استراتيجية الاستثمار الخاصة به، ونحن نعطي فهم الوضع المتفرد لهذا الشخص الأولوية وتخصيص أصوله وفقاً لذلك، وهذا ما يميز نهجنا عن البنوك الأخرى.
وفي ما يتعلق بتخصيص الأصول، فإننا نفضل السندات عالية الجودة، ولدينا استثمارات كبيرة في سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل، ما يوفر عوائد جذابة في مجال الائتمان من الدرجة الاستثمارية.
كيف تنظرون إلى الاستثمار في القطاع العقاري في الإمارات؟
تعد العقارات عنصراً أساسياً لتنويع المحفظة الاستثمارية، ويجب أن يكون لكل شخص جزء من ثروته في العقارات، ومع ذلك، فمن المهم توخي الحذر والتنويع في القطاع العقاري، لأنه أقل سيولة مقارنة بالأصول الأخرى، كما أن سوق العقارات يتسم بأن له دورات اقتصادية، ولذا فإن التنويع بحكمة أمر بالغ الأهمية.
ما تقييمكم لأداء الأسواق المالية في أبوظبي ودبي في سنة 2023؟
لقد أبدت الأسواق المالية في أبوظبي ودبي تحسناً ملحوظاً، ومن المؤكد أنهما تتمتعان بنظرة مستقبلية إيجابية، وتعد السيولة وتنوع الأسهم المتاحة للاستثمار من العوامل التي يجب أخذها في الاحتساب، ولذلك فمن الضروري تحليل هذه الأسواق بناءً على الأهداف الاستثمارية لكل مستثمر وقدرته على تحمل الأخطار.
ونحن في لومبارد أودييه نحلل السوق ونقوم بالاستثمارات في الوقت المناسب، ولقد كانت هناك اكتتابات عامة أولية ناجحة، وهذا اتجاه إيجابي، كما دخلت العديد من الشركات الجيدة الأسواق، ولكن يجب أن نلاحظ أن بعض الحالات قد أدت إلى ارتفاع أسهم معينة بشكل كبير، ما أثر في المؤشر العام في أبوظبي، وعلى الرغم من أنها إيجابية، فإنها تقتصر على حالات محددة.
بالرجوع إلى الأزمة المصرفية السابقة في الولايات المتحدة، هل تتوقعون حدوث أزمة مماثلة في المستقبل القريب؟
لا نتوقع حدوث أزمة كبيرة في المستقبل القريب، على الرغم من أنه لا يمكن استبعادها بشكل كامل إثر أي تطور جيوسياسي آخر، ومع ذلك، تتمتع البنوك اليوم بمواقف مالية أقوى، كما نجحت الجهات التنظيمية في تحسين استقرار القطاع المالي مقارنة بسنة 2008.
في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية غير المستقرة، هل تتوقعون حدوث ركود عالمي في المستقبل القريب؟
لا نتوقع حدوث ركود عالمي في الوقت الحالي، بينما نتوقع نمواً أبطأ، مع الأخذ في الاحتساب عوامل أخرى مثل ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار السلع الأساسية، وبينما نراقب عدم الاستقرار السياسي في بعض البلدان، فإن الركود ليس السيناريو الأساسي بالنسبة لنا.
هل ما يزال الذهب ملاذاً آمناً في ظل المناخ الاقتصادي الحالي؟
بالتأكيد، ما يزال يُنظر للذهب أنه أصل آمن، وسيظل في نطاق 1900 دولار إلى 2100 دولار للأونصة.
ما رؤيتكم لمستقبل الدولار الأمريكي؟ وهل ستظهر عملات بديلة؟
تعد الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأصبح اليوان اليوم عملة بديلة، وخاصة في المعاملات النفطية، وعلى الرغم من أنه لن يحل محل الدولار الأمريكي بالكامل، فإنه يوفر بديلاً، إذ تهدف العديد من البلدان إلى تقليل الاعتماد على عملة واحدة.
إلى متى تتوقعون أن يستمر الفيدرالي الأمريكي في سياسته الصارمة؟
نتوقع أن تظل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مستقرة حتى منتصف العام المقبل للسيطرة على التضخم من دون إعاقة النمو.
ما رأيكم في الاستثمار في العملات المشفرة؟
نحن في لومبارد أودييه، مهتمون أكثر بالتقنيات المرتبطة ببلوك تشين، وليس العملات المشفرة نفسها، ولقد أظهرت تقنية بلوك تشين إمكانات كبيرة، ولدينا قناعة بقدرات وتطبيقات بلوك تشين، وعلى الرغم من أن العملات المشفرة مثيرة للاهتمام، فقد قررنا أن نظل حذرين في شأنها.
أخيراً، هل تتوقعون وصول أسعار النفط إلى ثلاثة أرقام بحلول سنة 2024؟
لا نتوقع أن تصل أسعار النفط إلى ثلاثة أرقام في المستقبل القريب، ويوجد طلب أقل مما كان متوقعاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى الزيادات الأقل قوة في أسعار الفائدة، إضافة إلى تباطؤ وتيرة النمو، وفي حين أن الأسعار قد تظل مستقرة، فمن غير المرجح أن ترتفع بشكل كبير إلى ثلاثة أرقام، ما لم تكن هناك عوامل جيوسياسية غير متوقعة.
ومن مصلحة الدول المنتجة للنفط أن تحافظ على الأسعار عند مستوياتها الحالية، لأن الأسعار المرتفعة بشكل مفرط قد تكون لها عواقب سلبية، إن الوضع معقد، ولكننا لا نتوقع أن نرى ارتفاعاً مفاجئاً في أسعار النفط.